Share :
 لما كانت الغاية التي توخاها المشرع من تقريره مبدأ الاستمرار القانوني لعقد الإيجار تكمن في حل مشكلة أزمة السكن والمحلات التجارية، فإن انتفاء هذه المشكلة يجب أن يؤدي إلى إنهاء حالة الاستمرار القانوني. لذا أجاز المشرع للمؤجر أن يطلب الإخلاء في حالة ما إذا ترك المستأجر المأجور بدون إشغال لمدة معينة، لأن ترك المأجور بدون إشغال قرينة تدل على عدم حاجة المستأجر له، وبالتالي تنتفي عنه الحماية التي منحه إياها المشرع المتمثلة بحقه في الاستمرار القانوني. وفي هذا قررت محكمة التمييز الأردنية ما يلي: "إن ترك المأجور بدون السكن فيه أو العمل بالمهنة في المحل التجاري يتضمن تعطيلاً للانتفاع بالمأجور يتعارض مع الغاية التي أرادها المشرع وهي التخفيف من أزمة المساكن والمحال التجارية" (تمييز حقوق 20/1975). ومما لا شك فيه أن ترك المأجور بدون استعمال يلحق به ضرراً بليغاً لا يمكن تفاديه إلا بإجبار المستأجر على تركه (تمييز حقوق 432/1981).
وقد نصت على هذا السبب من أسباب الإخلاء المادة 5/ج/5 على أنه يجوز إخلاء المأجور (إذا ترك المستأجر المأجور الذي استأجره قبل تاريخ 31/8/2000 بلا إشغال بدون سبب مشروع لمدة سنة أو أكثر في العقارات المؤجرة لغايات السكن، ولمدة ستة أشهر أو أكثر في العقارات المؤجرة لغاية أخرى). والجدير بالذكر أن هذه الحالة موجودة منذ قانون رقم 23 لسنة 1941.
وأول ما يلاحظ أن حالة الإخلاء هذه تسري على العقود المبرمة قبل تاريخ 31/8/2000، أي أنها تسري على العقود التي يحكمها مبدأ الاستمرار القانوني، ونرى أن ذكر ذلك في المادة ليس إلا من قبيل التزيد، لأن جميع حالات الإخلاء الواردة في المادة 5/ج من قانون المالكين والمستأجرين لا تسري إلا على العقود المبرمة قبل 31/8/2000.
ومن الرجوع إلى النص السابق، نجد أن المشرع اشترط ثلاثة شروط لقيام هذا السبب وهي: ترك المأجور بدون إشغال، وأن يكون الترك بدون سبب مشروع، وأن تكون مدة الترك كما هي محددة في النص.
بالنسبة للشرط الأول وهو ترك المأجور بدون إشغال، فالمقصود بذلك أن يكون بدون إشغال فعلي، وقد استقر اجتهاد محكمة التمييز على أن ترك المأجور هو عدم استعماله فعلاً وبصورة جدية للغاية المنصوص عليها في عقد الايجار (تمييز حقوق 351/1983). لذا فإن مجرد التردد على المأجور بدون استعماله بهذه الصورة لا يعني الإشغال.
وقد قررت محكمة التمييز الأردنية ما يلي: "إن فتح المأجور لمدة يوم واحد كل شهرين أو أكثر لا يفي بالغرض المطلوب من الاستعمال وفق ما أراده المشرع لحل أزمة الايجارات؛ إذ إنه قصد بالإشغال؛ الإشغال الفعلي الذي يحقق الغاية من عقد الايجار وليس الإشغال الصوري" (تمييز حقوق 3738/2000). وفي قرار آخر: "إن مجرد التردد المؤقت للمستأجر أو أحد أفراد أسرته على المأجور خلال الإجازة السنوية لا يعتبر إشغالاً بالمعنى المقصود في عقد الايجار الذي يحكم العلاقة بين الطرفين" (تمييز حقوق 1971/1999).
وبالنسبة للشرط الثاني وهو أن يكون ترك المأجور بدون سبب مشروع، والسبب المشروع -برأي الفقه- يتمثل بحصول أمر يتعلق بشخص المستأجر وخارج عن إرادته يدفعه إلى ترك المأجور من أجل قضاء مصلحة مشروعة.
فإذا كان ترك المأجور بسبب مشروع فلا يترتب على ذلك الإخلاء، والأمثلة على ذلك -من خلال قرارات محكمة التمييز- عديدة نذكر منها ما يلي:
إن عدم إشغال المأجور بسبب غياب المستأجر عنه للمعالجة أو للتجارة أو للدراسة وما شابه ذلك لا يعد تركاً (تمييز حقوق 152/1967)، وأن سفر المستأجر خارج البلاد مدة ستة أشهر لقضاء حاجاته مع إبقاء أثاثه في البيت، فإن ذلك لا يفيد أنه ترك المأجور بدون شغل لغايات التخلية (تمييز حقوق 110/1976)، كما أن مدة العزاء تشكل معذرة مشروعة يبرر حسمها من مدة ترك المأجور بدون إشغال؛ إذ ليس من المقبول أن يباشر وارث العمل في المأجور وما يزال شركاؤه في الميراث يتلقون التعازي (تمييز حقوق 214/1989). كما قررت محكمة التمييز الأردنية: "انتقال المستأجر من عمان إلى العقبة بحكم الوظيفة وسكنه في العقبة هو وأفراد عائلته في سكن وظيفي مفروش وتركه للمأجور وتردده عليه في العطل الرسمية أإسبوعياً وشهرياً لا يشكل تركا للمأجور بالمعنى المقصود في المادة (5/ج/5) من قانون المالكين والمستأجرين، لأن المدعى عليه المستأجر لا يقيم بصورة دائمة في العقبة وإنما وجوده خارج عمان معرض للنقل، كما أن العقار الذي يشغله في العقبة ليس له الحق بإشغاله بصورة دائمة لأنه سكن وظيفي طيلة وجوده في مكان العمل، مما يضطره للاحتفاظ بالمأجور في عمان للإبقاء على أثاثه وعلى إشغاله عند النقل المتوقع باستمرار، وحيث لم يثبت ترك المستأجر المأجور لأكثر من سنة وأن ظروف العمل تتطلب منه ترك السكن لمدة مؤقتة ومحدودة تشكل عذراً له عن الغياب عن المأجور مما لا يوفر عناصر ترك المأجور بالمعنى القانوني" (تمييز حقوق 392/1999).
وعليه فإن ترك المأجور بدون أن يكون هنالك سبب مشروع فذلك الذي تتوفر به هذه الحالة ويجيز للمؤجر طلب الإخلاء، وقد ذهبت محكمة التمييز إلى عدم توافر السبب المشروع بسبب اعتقال شقيق المستأجر الذي يعمل لديه لأن ذلك ليس مبرراً لترك المأجور (المحل التجاري) بدون إشغال؛ إذ إن مستأجر العقار ليس هو المعتقل (تمييز حقوق 20/1975). كما لا يتوافر السبب المشروع بسبب سجن المستأجر، لأن حجزه بالسجن قد نشأ بسبب فعله وخطئه هو لا بسبب خارج عن إرادته (تمييز حقوق 432/1980).
أما بالنسبة للشرط الأخير فهو يتعلق بمدة الترك؛ إذ يشترط أن تكون مدة ترك المأجور في العقارات المؤجرة لغايات السكن سنة أو أكثر، وفي العقارات المؤجرة لغير غايات السكن ستة أشهر أو أكثر.
والجدير بالذكر أن هذه المدد قد حددها القانون رقم 29 لسنة 1982 وأبقى عليها القانون الحالي رقم 11 لسنة 1994، أما في السابق فلم يكن الأمر كذلك؛ إذ إن القانون رقم 23 لسنة 1941 اشترط أن يكون ترك المأجور لمدة غير معقولة، بمعنى أن القانون لم يحدد مدة معينة وإنما كانت لتقدير المحكمة. ثم جاء القانون رقم 26 لسنة 1943 واشترط أن تكون مدة ترك المأجور تزيد على ستة أشهر بدون تفرقة بين العقارات السكنية وغير السكنية. وبقي الأمر على ذلك في القانون رقم 62 لسنة 1953.
إذن فقد فرق القانون الحالي بين العقارات السكنية وغير السكنية من حيث مدة ترك المأجور بدون إشغال؛ حيث يشترط أن تكون مدة سنة أو أكثر في العقارات السكنية وتكون المدة ستة أشهر أو أكثر في العقارات غير السكنية. ولعل الهدف من ذلك رغبة المشرع أن تبقى المناطق التجارية حيوية ومشغلة؛ إذ إن ترك المحلات التجارية بدون إشغال فيه ضرر للعقارات وللأسواق التجارية، لذا كان شرط المدة فيها أقل من العقارات السكنية.
Comments (0)
Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked. *