Share :

 رغم حالة التباطؤ الاقتصادي في المملكة، إلا أن تسريع وتيرة الإصلاح والسعي لتحسين المستويات المعيشية للمواطنين هما العنوان الرئيسي للتوجيهات الملكية السامية، والتي باتت تلح لتحقيقها خلال الفترة المقبلة، وبما يصب في النهوض بالاقتصاد الوطني، وتحديدا من خلال التركيز على الاستثمار والصحة والتعليم والنقل.
يدرك الجميع بأن التحديات التي يعيشها الأردن ليست بالأمر الهين، وأنها ليست مقتصرة فقط على الأوضاع في المملكة، فحتى صندوق النقد الدولي كان خفض من توقعاته لمعدلات النمو العالمية، مشيرا الى أن معدل نمو حجم التجارة عالميا وصل الى 1 % خلال النصف الأول من العام الحالي، وهو المعدل الأضعف منذ 2012.
وقبل أن تطلق الحكومة، اليوم، خطتها للإجراءات التي ستتخذها لتنشيط الاقتصاد وتحفيز الاستثمار وتحسين الخدمات، فقد كان جلالة الملك عبدالله الثاني يشارك شخصيا، نهاية الأسبوع الفائت، في جانب من ورشات العمل النقاشية التي نظمها الديوان الملكي، وهي ورشات عصف ذهني عميقة توفر للحكومة الآراء والاقتراحات العملية كافة لتتمكن من تحقيق الرؤى الملكية، باتجاه تحسين المؤشرات الاقتصادية، وبما يعود بالنفع على المواطنين والوطن ضمن خطط قصيرة ومتوسطة وكذلك طويلة المدى وبحيث تكون عابرة للحكومات.
عندما يذكر جلالته أن التحسين والتطوير عابران للحكومات، فهذا يعني أن عملية الإصلاح وتحفيز النمو يتطلبان أن تكونا مبنيتين على أسس سليمة تضمن استدامة النمو، رغم التحديات، وجلالته يؤكد هنا أن ثلاثية التعليم والنقل والصحة بالمحصلة هي الحياة الكريمة لمستقبل الأردنيين.
وفي المدى القصير، اتخذت الحكومة بعض الإجراءات؛ ومنها ما تعلق بالأراضي والمساحة بهدف تنشيط القطاع العقاري، والذي يعاني من تراجع وصل الى نحو 20 % من حجم التداول فيه عما كان عليه في العام الحالي.
الصورة باتت واضحة للجميع، خصوصا في المالية العامة في المدى القريب؛ الإيرادات أقل من المتوقع، وأن يرافقها خفض النفقات الرأسمالية غير الملتزم بها كمنح ومساعدات، بهدف ضبط إيقاع العجز. علما بأن جزءا كبيرا من الموازنة العامة يذهب لرواتب وأجور، والزيادات الأخيرة التي وجه جلالة الملك الحكومة لمنحها سيكون لها أثر في تحريك النشاط الاقتصادي أو بالأحرى الطلب الداخلي.
مواجهة مشكلة انخفاض الإنفاق الرأسمالي يمكن أن تكون بتعظيم إتاحة دور أوسع للصناديق المالية لتنفيذ مشاريع كبرى ذات جدوى اقتصادية تعود بالنفع على المواطنين عبر توفيرها وظائف وتحريك عجلة الاقتصاد، فبعد مبادرة لندن توجد بوادر إيجابية من صندوق فرنسي يتحضر لذلك، كما أن ثمة في المملكة ثلاثة صناديق محلية أخرى سيتم التباحث معها بتنفيذ مشاريع في المملكة، ما سيشكل بداية جيدة وبأدوات جديدة لجذب الاستثمارات الى المملكة.
وليس أدل على نجاعة تجربة جذب الاستثمارات من مجموعة المطار، التي تورد للخزينة العامة ما يفوق 50 % من إيراداتها فيما ستعود ملكيته الى الأردن بعد انتهاء فترة الاستثمار، كما بات صرحا وإنجازا يستحق الثناء، فقد تقدم الأردن على العديد من الدول في خدمات المطار والنقل الجوي بعد أن كانت تتقدم علينا في ذلك قبل عقد من الزمان.
الأردن واجه تحديات كبيرة لم يكن سهلا تحملها لولا منعة الاقتصاد، فمنذ العام 2012، وبعد موجات اللجوء السوري والضغط على الخدمات، فقد استطاع تجاوز تلك التحديات، رغم أنه دفع ثمن انقطاع الغاز المصري وزادت مديونيته.
وفي المقابل، توجد أدوات داخلية من المفترض أن يتم تفعيلها لتنشيط الاقتصاد، فإدارة المساهمات الحكومية التي تملك أوراقا مالية بما يفوق المليار دينار، وهي الخلف القانوني للمؤسسة الأردنية للاستثمار، يمكن أن تشكل أداة للتحفيز بطريقة مختلفة، سواء باستخدام موجوداتها للاقتراض كضمانة للاستثمار بالأوراق المالية لتنشيط بورصة عمان أو المساهمة بمشاريع مع صناديق أجنبية أخرى ذات جدوى للاقتصاد الوطني، وبمعنى آخر ربما ستشكل أداة نمو داخلية وفقا لمفهوم إدارة الصناديق وليست متلقيا للعوائد الثابتة من التوزيعات النقدية.
ولا ننسى أن صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي كانت موجوداته قرابة 1.3 مليار دينار، وحاليا تقترب من 11 مليار دينار، وله حصص مؤثرة ودور مهم في الاقتصاد الوطني في قطاعات اقتصادية واعدة.
الحكومة ستعلن اليوم عن محاور لتحفيز الاقتصاد الذي نما دون مستوى 2 % ضمن محاور تتعلق بتنشيط الاقتصاد والاستثمار وستفصح عنها بشكل تفصيلي أكثر، ومن بينها مسألة الاستثمار عبر حل قضايا بعض المستثمرين العالقة وتطلعاتهم وتثبيت الحوافز الممنوحة لهم، بمعنى أن الرسالة المراد إيصالها هي أن التشريعات ستكون مستقرة، ولن يتم التغيير بطريقة عشوائية تؤثر على خطط الاستثمار التي على أساسها قدم المستثمرون واستثمروا في المملكة.
وفيما يتعلق بالتعليم والصحة والنقل، فمن المعروف أن الأردنيين ينفقون مداخيلهم على تلك الثلاثية بنسب كبيرة ويتحملون أعباء باهظة، ما يثير الجدل حول ما يدفعه المواطن، ما يشكل عبئا ضريبيا مقابل مستوى متدن من الخدمات؛ حيث باتت معالجة هذه الجدلية مسألة في غاية الأهمية؛ فجزء سينجز بإضافة مراكز صحية شاملة أو رياض الأطفال في 2020، لكن إتمام هذه المسيرة سيعني، فعلا، أن يجد المواطن خدمات صحة وتعليم ونقل جيدة.
لقد استطاع الأردن، ورغم موقعه الجغرافي الذي تتلاطمه الأمواج، أن يعبر تلك الأزمات بمهارة ويحافظ على منجزاته ويعظمها، وهذه المسألة ثبتت تاريخيا، وسينظر الأردنيون الى مزيد من الإنجازات رغم التحديات.

Comments (0)
Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked. *